إِنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وبعد..،
الأبناء هم زينة الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى: {المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتٌ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46]
لذا فالإنسان يعتز بهم إعتزازًا كبيرًا كثرةً ونوعيةً، وينطلق من هذا الإعتزاز الإهتمام بموضوع تربية الأبناء، إذ هو شاغل كثير من الأباء، كما أن هِمَمَ المتخصصين في علم التربية لا تفتر عن الحديث أو الكتابة في هذا الموضوع.
ولقد أصبحنا اليوم أمامَ موْضوعَيْن لا موضوع واحد، موضوع تربية الأبناء، وموضوع العقبات والعوائق والشهوات التي تلاحق أبناءنا وبناتنا، وكيف نخلصهم ونقيهم منها.
ولما تأملت ما كُتِبَ في تربية الأبناء، وجدت أن هناك تركيزاً ظاهراً على تربية الناشئة والأطفال، وأنا لا أقلل من أهمية النشء، ولكنني إعتقدُ أَنَّ المسئولية تزداد والتربية تستمر، وتَكْبُر تبعاتُها كلما كَبُرَ الأبناءُ، فوجب على كل أبٍ أن يزداد حرصه في متابعة أبنائه، ويسعى جاهداً في توجيههم وإرشادهم، خاصةً في زمن كثرت فيه الفتن، والتبس فيه الحق بالباطل وضعفت فيه الديانة، كما هو حالنا اليوم..
والمتأملُ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أَنَّه لم يَخُصِ التربية بالأطفال فحسب، بل كان عليه الصلاة والسلام المربي الأول للأجيال على شتىَ طبقاتهم، وإختلاف أجناسهم، وتفاوت أعمارهم.
ومن ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع إبنته فاطمة رضي الله عنها رغم كِبَرِها، وبعد زواجها..أي أنّها تجاوزت سنَّ البلوغ -بلا شك- فقد روى البخاري في صحيحه عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: شكت فاطمة ما تلقى من أَثَرِ الرَّحىَ، فجاء سبيٌ إلَى النَّبي صلى الله عليه وسلم، أي من أسرى الجهاد سبايا من النساء، فانْطَلَقَتْ إلى أبيها فلم تجده، ووجدت أمَّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها فأخبرتها بما تلقى، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمجيء فاطمة، يقول عليُّ: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم، فقال: على مكَانِكُمَ فقعد بيننا، حتى وجدتُ بَرْدَ قدميهِ في صدري، فقال: ألا أُعَلِّمُكُمَا خيرًا مما سألتُمَاني؟ إذا أخذتم مضاجِعَكما تُكَبرا أربعا وثلاثين وتسبحا ثلاثاً وثلاثين وتحمدا ثلاثاً وثلاثين هو خير لكما من خادم.
وفي هذه الزاوية لا نريد أن نخوض في جوانب الأسرة كما خاضت فيها الدراسات الاستشراقية، ففسرتِ النصَ تفسيرًا منحرفًا، وعزلت الأحكام عن مقاصدها، وأسقطت التكاليف الشرعية للأسرة وكيانها، وإنما سننطلق بحديثنا هنا من بيت النبوة، مدللين لما نقول بما جاء في كتاب الله عزَّ وجلَّ.
وأسأل الله الكريم أن ينفع بما نقول، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
الكاتب: فهد الحميزي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.